غرام وانتقام- رومانسية عربية خالدة تتحدى الموت
المؤلف: عبده خال08.26.2025

ربما بزغت فجر الحقبة الرومانسية في الموسيقى العربية مع بدايات عقد الأربعينات، ثم ازدهرت وتألقت بعد ذلك، إلا أن الأغنية العربية شهدت تدهوراً وانحداراً مع رحيل عمالقة الكلمات، ورواد التلحين، وأساطين الغناء. في تلك الأزمنة، تجمعت القوى الناعمة الفاعلة، القادرة على القيادة والتأثير، حتى بلغت الذائقة الموسيقية قمة رفعتها ورقيها. ويُشاع أن هذا التوجه الرومانسي كان قراراً سياسياً مقصوداً، يهدف إلى تهدئة المشاعر الثورية أو تلطيفها بعد سنوات النكبات والانكسارات المريرة؛ ومن هنا، كان الدافع السياسي محركاً أساسياً للإبداعات الفنية الرومانسية.
وبسبب انشغال النخبة المثقفة بالرسالة التنويرية، ظهرت تحولات وتغيرات في كل المجالات المرتبطة بتلك التصنيفات. إن السنوات التي أعقبت الانكسار والانحدار الفني، جعلت من عاصر تلك الفترة يتوق إلى دفعة سياسية تعيدنا إلى زمن الرومانسيات العذبة، حيث كانت الحياة أكثر سلاسة وهناءة. إن الدعوة إلى عودة هذا العصر الرومانسي تأتي بعد أن تحققت مقولة طرفة بن العبد الشهيرة: "ستُبْدي لكَ الأيّامُ ما كنتَ جاهلاً.. ويأتِيكَ بالأخبارِ مَن لم تُزَوِّدِ". لقد أظهرت لنا الأيام أن السعادة الحقيقية تكمن في أن تعيش آمناً مطمئناً في حياتك، ولكن أمتنا العربية شهدت ضعفاً وتدهوراً، حتى لم يعد هناك ما يبهج النفس ويسر الخاطر، فسقطت مكانة الدول العربية، وتلاشت في ذكريات الماضي.
هذا المقال ليس مجرد حسرة على الماضي، بل هو فرصة للتأمل في جماليات الأفلام العربية الكلاسيكية، تلك الأفلام التي عُرفت بالهدوء والسكينة، والحياة البسيطة والوادعة، والتي كانت تجسد روح الرومانسية. فإذا كان الفن مرآة تعكس الواقع، فإن تلك الأغاني والأفلام قد عبرت بصدق عن الحالة النفسية للمجتمعات العربية، من خلال بث تلك المشاعر الرومانسية الرقيقة.
في الأمس، كنت أشاهد أحد أفلام الزمن الجميل بعنوان "غرام وانتقام" من بطولة يوسف وهبي وأسمهان. على الرغم من بساطة الفكرة والحوار، فقد تعرفت من خلال هذا الفيلم على معلومة تستحق التقدير للفنان القدير يوسف وهبي، الذي قام بإخراج الفيلم. لقد كانت جرأته في اتخاذ قرار سيخلد اسمه على مر العصور، كونه اتخذ قراراً لم يسبقه إليه أحد، ولا أتوقع أن يجرؤ أي مخرج على فعل ما فعله يوسف وهبي. تروي القصة أنه أثناء تصوير فيلم "غرام وانتقام"، وقع حادث سير مأساوي أودى بحياة بطلة الفيلم، أسمهان، غرقاً بعد سقوط سيارتها في إحدى الترع. ومع وفاة البطلة، تم تعديل السيناريو لتكون نهاية الفيلم مأساوية، بوفاة البطلة أو نهايتها. لكن الجرأة الحقيقية تمثلت في أن الفنان يوسف وهبي قام بتصوير جزء من جنازة أسمهان بمشهد حقيقي لجثة أسمهان.
سيسجل التاريخ لهذا الفيلم أن البطلة أكملت تصوير مشاهد الفيلم من البداية إلى النهاية، وأعتقد أن أسمهان هي الممثلة الوحيدة في العالم التي أكملت دورها في الفيلم وهي جثة هامدة.
إن قرار يوسف وهبي هو قرار جريء سيخلد قدرته على إحداث الصدمة والدهشة في آن واحد. لذلك، يمكن للممثل أو المخرج أن ينجح أي فيلم من خلال مواصفات فريدة تمكنه من تحويل الموت إلى حياة.